إسرائيل: دولة بلا هويّة | فصل

كتاب «إسرائيل: دولة بلا هويّة» (2021)

 

صدر عن «مركز دراسات الوحدة العربيّة» كتاب «إسرائيل: دولة بلا هويّة» (2021)، للباحثين عقل صلاح وكميل أبو حنيش.

جاء عن الكتاب: "دأبت دولة إسرائيل منذ تأسيسها على أراضي فلسطين العربيّة عام 1948، على ترويج مجموعة أكاذيب وسرديّات مزيّفة لتلميع صورتها وتبرير شرعيّتها كدولة؛ فعلى مدى أكثر من سبعين عامًا تقدّم إسرائيل نفسها بوصفه دولة ديمقراطيّة، قامت على "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". لكنّ سياساتها الاقتلاعيّة الاستيطانيّة العنصريّة على مدى السنوات السبعين الماضية، وعملها الدؤوب على تهويد كيانها أرضًا ومجتمعًا ودولة، وضعت صورة هذه الدولة أمام مأزق تاريخيّ، فهل تسعى إسرائيل فعلًا لتكون دولة ديمقراطيّة، وهذا أمر يتنافى مع المشروع الصهيونيّ ومع سياسات التهويد الّتي تمارسها إسرائيل كلّ يوم، وهل هي فعلًا "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهذا أمر آخر تنفيه الحقائق التاريخيّة الّتي لم تستطع دولة إسرائيل محوها، كما تنفيه ممارساتها العدوانيّة اليوميّة في مواجهة أبناء البلد الأصليّين في كامل الأراضي الفلسطينيّة".

تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة فصلًا من الكتاب بالتعاون مع «مركز دراسات الوحدة العربيّة».

 


الديمقراطيّة والكولونياليّة العنصريّة اليهوديّة

تتعارض الديمقراطيّة بالضرورة مع الكولونياليّة الاستعماريّة القائمة على الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، وفرض السيطرة الطويلة على شعب آخر واضطهاده والتحكّم في شروط حياته الطبيعيّة، وتهديد حقوقه الإنسانيّة والسياسيّة.

إنّ أيّ تحليل معقول للنظام الإسرائيليّ الّذي يأخذ في الحسبان القوانين الفاعلة على الأرض، والسكّان الخاضعين للسيطرة الإسرائيليّة، لا يستطيع أن يخلص إلى نتيجة أنّ إسرائيل هي دولة ديمقراطيّة، ناهيك أنّها ديمقراطيّة ليبراليّة[1]. فالحديث هنا عن ديمقراطيّة تستند إلى حادثة اغتصاب أرض وذبح بعض سكّانها وطرد البعض الآخر، واستبعاد لمن تبقّى من العمليّة السياسيّة نفسها[2]. فالادّعاء الزائف للدولة الاستعماريّة عمومًا، وإسرائيل على وجه الخصوص، بأنّها دولة ديمقراطيّة يعدّ ضربًا من التبجّح.

 

مأزق الدولة اللا دستوريّة

إنّ غياب الدستور في إسرائيل، منح المؤسّسات الإسرائيليّة كافّة حرّيّة تجسيد المفاهيم الدينيّة الصهيونيّة على أرض الواقع ضدّ العرب الفلسطينيّين، وهي مفاهيم تتعارض مع أيّ دستور ديمقراطيّ وهذا ما تنبّه له كثير من الإسرائيليّين[3]. لقد دفعت هذه المعضلة المؤسّسات الأكاديميّة والفكريّة والثقافيّة إلى التصدّي لها ومحاولة إيجاد حلول للخروج من المأزق، والدفاع عن العنصريّة الاستعماريّة، والزعم أنّ الاستعمار لا يتعارض مع الديمقراطيّة، واستندوا بذلك إلى النموذج الديمقراطيّ للدول الاستعماريّة الأوروبيّة الّتي جمعت بين الاستعمار والديمقراطيّة، والإيحاء بأنّ مجرّد منح حقوق فرديّة للعرب يعبّر عن تطوّر للديمقراطيّة الإسرائيليّة. لكنّ معاينة الأوضاع على الأرض وما تمارسه إسرائيل بحقّ الفلسطينيّين يضع علامات استفهام كبيرة على ادّعاءات كهذه.

تتعارض الديمقراطيّة بالضرورة مع الكولونياليّة الاستعماريّة القائمة على الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، وفرض السيطرة الطويلة على شعب آخر...

فما بين المطلب الدستوريّ من الدولة أن تكون دولة لجميع مواطنيها، وبين الدمج السياسيّ للدين اليهوديّ والدين الّذي خلق مع احتلال مناطق 1967 تاريخها المسيحانيّ القوميّ الخاصّ في حركة الاستعمار الاستيطانيّ لـ «حركة غوش إيمونيم»، تجد الدولة الصهيونيّة نفسها اليوم في أزمة تتمثّل بالوقوع بين الحقّ في الديمقراطيّة واستمرار الهيمنة على الفلسطينيّين في الأراضي المحتلة عام 1967 وعام 1948[4]. ذلك ما عّبر عنه شارون حين قال في أواخر عام 2003: "يستحيل أن يكون هناك دولة ديمقراطيّة وفي الوقت نفسه أن تسيطر على أرض إسرائيل، إذا حاولنا الحصول على الحلم بأسره فإنّ هناك إمكانيّة أن نخسره كاملًا". يؤكّد تصريح شارون عدم إمكان المزاوجة بين اليهوديّة والديمقراطيّة ولا سيما أنّ إسرائيل دولة محتلّة، واحتلالها ينطوي على ممارسات عنصريّة تتعارض مع أبجديّات الديمقراطيّة، وهذه الممارسات تشمل العرب في الداخل والفلسطينيّين في المناطق المحتلة عام 1967، وحتّى بعض القطاعات اليهوديّة مثل الإثيوبيّين واليهود الشرقيّين.

فالنظام القانونيّ في إسرائيل بما يتضمّنه من توجّهات قانونيّة ومقرّرات تشريعيّة يدعم التعصّب والتمييز العنصريّ داخل الدولة، فضلًا عن أنّ ممارسات التعصّب والتمييز العنصريّ إنّما تجرى بناءً على تطبيق القوانين ذاتها وهو يعُدّ ذلك ترجمة أمينة للصهيونيّة بوصفها أيديولوجيا عنصريّة[5].

 

مواطنو الدولة الاستعماريّة

توجد في إسرائيل فئتان من المواطنين، الأولى تضمّ اليهود الّذين يتمتّعون بمواطنة بيضاء، والثانية تضمّ العرب الّذين تشبه مواطنتهم مواطنة الملوّنين في جنوب أفريقيا، الأمر الّذي يدحض الادّعاء أنّ إسرائيل هي ديمقراطيّة، وهي تعتبر نفسها أداة لخدمة يهوديّتها، أي مواطنها الأبيض، وهي بذلك شبيهة بنظام الأبارتايد الّذي سخّر الدولة لخدمة المواطن الأبيض على حساب غيره[6].  ذلك ما يؤكّده ميخائيل بن يائير المستشار القضائيّ للحكومة الإسرائيليّة بين عامي 1993 و1996 بالقول: "لقد اخترنا بحماس أن نصبح مجتمعًا كولونياليًّا ونتجاهل الاتّفاقات الدوليّة، وأقمنا نظامًا عنصريًّا في الأراضي المحتلّة"[7].

أمّا بورغ فقد عبّر عن ذلك بالقول: "إنّها دولة تحمل في داخلها عنصريّة توراتيّة مكشوفة تؤيّدها وتدعمها بصورة عمليّة حلقات نشطة وصامتة من التقليديّين المؤمنين بأنّ هذه هي اليهوديّة الصحيحة"، منبّهًا إلى أنّ ثمّة في إسرائيل طبقات ومستويات رهيبة من العنصريّة لا تختلف في جوهرها عن تلك الّتي أبادت اليهود[8]. لم يكن بورغ الوحيد الّذي شبّه هذه الممارسات بالممارسات النازيّة، فهذا أستاذ التاريخ في «الجامعة العبريّة» دانييل بلتمان صرّح بأن "دولة الاحتلال تعيد التذكير أكثر فأكثر بألمانيا عام 1933". وفي مقابلة أجرتها «يديعوت أحرنوت» في 11 أيار/مايو 2016 أجمع أربعة من الرؤساء السابقين لـ «المحكمة العليا» في إسرائيل على أنّ إسرائيل تشهد سيرورات مثيرة للقلق قد تؤول نتيجتها إلى نهاية النظام الديمقراطيّ فيها[9].

النظام القانونيّ في إسرائيل بما يتضمّنه من توجّهات قانونيّة ومقرّرات تشريعيّة يدعم التعصّب والتمييز العنصريّ داخل الدولة...

إنّ أخطر هذه المواقف ما صدر عن نائب رئيس الأركان الإسرائيليّ يائير غولان في خطاب ألقاه في أيّار (مايو) 2016: "إذا كان هناك شيء يخيفني في ذكرى المحرقة، فهو رؤية تحوّلات مثيرة للاشمئزاز حدثت في أوروبا عمومًا، وفي ألمانيا خصوصًا، قبل 70 و80 و90 عامًا، وإيجاد دليل لها بيننا هنا اليوم"[10].

إنّ توسيع الديمقراطيّة قد يقود إلى مساواة كاملة بين العرب واليهود، وهو أمر لا تتحمّله الهويّة اليهوديّة العنصريّة الّتي تقوم على مفهوم النفي الثقافيّ والوجوديّ معًا[11]. وقد تزايدت الشعارات العنصريّة ضدّ العرب مؤخّرًا حيث أطلق ليبرمان شعارًا لحملة حزبه لانتخابات الكنيست سنة 2015: "أرئيل لإسرائيل وأمّ الفحم للفلسطينيّين"، وفي بيان له سنة 2014 اقترح تقديم حوافز اقتصاديّة لعرب الداخل لتشجيعهم على مغادرة البلاد.

أمّا نتنياهو فقد بنى نجاحه الانتخابيّ سنة 2015 على التحريض على العرب بقوله: "العرب يتدفّقون إلى صناديق الاقتراع بأعدادهم الكبيرة"، أمّا وزيرة الثقافة ميري ريفيف، وبهدف التحكّم بالحيّز الثقافيّ النقديّ الفلسطينيّ وحدود حرّيّته، طرحت «قانون الولاء في الثقافة» الّذي يهدف إلى تغيير طريقة منح وزارة الثقافة، بحيث يمكّن هذا التعديل من سحب التمويل من أيّ جهة تمسّ بعلم الدولة أو أحد رموزها[12].

 

دولة بلا هويّة

يمتاز المشهد السياسيّ والحزبيّ في إسرائيل بديناميّة وتفاعلات كثيرة، ذلك يرجع في الأساس إلى التركيبة الفئويّة/ الإثنيّة للمجتمع الإسرائيليّ، إضافة إلى التناقض بين طابع الدولة وبين وجود أقلّيّة عربيّة – فلسطينيّة كبيرة فيها، وكذلك بسبب حالة الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ والإسرائيليّ – العربيّ، ومأزق الحلّ المستعصي الّذي يدفع نحو التفتيش عن حلول متجاوزًا ذلك إلى نموّ قوىً جديدة تدفع في اتّجاه حلول متقاربة[13].

يتبيّن ممّا سبق أنّ ثمّة إشكاليّة في صعوبة الجمع بين اليهوديّة والصهيونيّة والديمقراطيّة، فاليهوديّة كما رأينا تتناقض مع الصهيونيّة بوصفها تنطلق من رؤية علمانيّة وقوميّة، والصهيونيّة واليهوديّة تتناقضان مع الديمقراطيّة، فالأولى لكونها عقيدة دينيّة، والثانية لكونها فكرة استيطانيّة عنصريّة، وفي إسرائيل الراهنة يستحيل فصل الدين عن الدولة لأنّها صنيعة الصهيونيّة الّتي قامت على الجمع بين الدينيّ والزمنيّ في منطلقاتها الأساسيّة، وبهذا فإنّ محاولة الجمع بين يهوديّة الدولة وديمقراطيّتها في إطار قوميّ يهوديّ جعلت من إسرائيل دولة لا هي صهيونيّة فعلًا ولا هي يهوديّة أو ديمقراطيّة كذلك، إنّها دولة بلا هويّة[14].

 


إحالات

[1] يفتاحئيل، الإثنوقراطيّة: سياسات الأرض والهويّة في إسرائيل/ فلسطين، ص 108.

[2] المسيري، في الخطاب والمصطلح الصهيونيّ: دراسة نظريّة تطبيقيّة، ص 34.

[3] حمّاد، السلام الإسرائيليّ، الجزء الأوّل: استراتيجيّة الهيمنة، ص 213.

[4] شميدت، ولادة الحداثة، ص 21.

[5] حمّاد، المرجع نفسه، ص 244.

[6] هنيدة غانم، «ما بين الاحتلال العسكريّ الاستعماريّ والأبرتهايد»، قضايا إسرائيليّة، العدد 35 (2009)، ص 16.

[7] عوض، دعامة عرش الرب، ص 297.

[8] أبراهام بورغ، لننتصر على هتلر، ترجمة بلال ضاهر وسليم سلامة؛ مراجعة وتقديم أنطوان شلحت (رام الله: المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة «مدار»، 2010)، ص 305 و315.

[9] أنطوان شلحت [وآخرون]، تقرير مدار الاستراتيجيّ 2017: المشهد الإسرائيليّ 2016، تحرير هنيدة غانم (رام الله: المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة «مدار»، 2017)، ص 68 و94.

[10] حماد، السلام الإسرائيليّ، الجزء الأوّل: استراتيجيّة الهيمنة، ص 209.

[11] المرجع نفسه، ص 215.

[12] نبيل الصالح، «المشهد الاجتماعيّ» في: تقرير مدار الاستراتيجيّ 2021: المشهد الإسرائيليّ 2020، تحرير هنيدة غانم (رام الله: المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة «مدار»، 2017)، ص 16.

[13] أسعد غانم، «نظرة عامّة في المشهد السياسيّ الإسرائيليّ الحاليّ»، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، العدد 62 (ربيع 2005)، ص 4.

[14] إلياس شوفاني، «نظام الحكم»، في: إسرائيل: دليل عام 2004، ص 60.

 


 

مركز دراسات الوحدة العربيّة

 

 

 

مركز بحثيّ يهتمّ بالقضايا العربيّة ويعرض الحلول لها عبر عقد الندوات والمؤتمرات والدراسات الخاصّة المهتمّة بالقضايا العربيّة ومقرّه بيروت، لبنان.